الأحد، 18 سبتمبر 2016

مراجعة كتاب: مكتوب على الجبين



دائماً ما أستمتع بصحبة جلال أمين مهما كان موضوع كتابه وهذا الكتاب الذي يتناول فصول من حياته وعلاقاته مع الآخرين وهو أقرب ما يكون إلى السيرة الذاتية ليس باستثناء. 
قبل شروعي في قراءة الكتاب لم أكن متأكدة تماماً من موضوعه حيث أنني قد اشتريته منذ مدة طويلة لكنني توقعت أن يكون مجموعة مقالات تتناول موضوعات عامة مختلفة (على الرغم من أن العنوان يوضح أنه سيرة ذاتية). استبعدت كونه سيرة ذاتية وذلك لأَنِّي سبق وأن  قرأت سيرته الذاتية في جزئين (ماذا علمتني الحياة ورحيق العمر) وقد كانا من أجمل وأعمق ما قرأت. 

يقع الكتاب في خمسة أبواب ويتناول كل باب فكرة معينة وذكريات تندرج تحت تلك الفكرة. فالباب الأول مثلاً يتناول ذكرياته العائلية أما الثاني فيتناول ذكريات مرحلة الشباب. الباب الرابع تحديداً كان المفضل لدي فقد أثرى معلوماتي وقادني إلى تفكير عميق بالرأسمالية والمجتمع الاستهلاكي وقد تطرق الكاتب لفكرة معينة أثارت انتباهي كثيراً كان قد تحدث عنها بإسهاب في كتابه الرائع "خرافة التقدم والتخلف" وهي حقيقة العلاقة بين مستوى الدخل للفرد ورفاهيته في نمط المعيشة الأمريكي بالتحديد، فالمعروف أنه كلما زاد دخل الفرد زادت رفاهيته لكن الكاتب لا يرى أن ذلك صحيحاً بالضرورة، فمثلاً ينفق الشعب الامريكي ملايين الدولارات سنوياً على وسائل تساعد على تحسين النوم من أدوية منومة إلى حشايا للسرير وأجهزة لمنع وصول الضوضاء للحصول على نوم مريح بينما يستطيع العامل الفقير الحصول على ساعات نوم كافية بدون الحاجة الى أي من تلك الوسائل مما يعني أن زيادة الدخل لم تجلب المزيد من الرفاهية في هذه الحالة وبالتالي فالنظرية غير صحيحة تماماً. 
كما ناقش ضرر نمط المعيشة الأمريكي على الفرد من ناحية أنه يتم اقناعه بحاجته لشيء لم يفكر هو فيه أساساً ناهيك عن احتياجه الفعلي له. 

أحب أسلوب الكاتب السهل الممتنع كثيراً فهو يعبر عن نفسه بقمة السلاسة والوضوح وكثيراً ما وجدت لدي رغبة بالكتابة لتوضيح وجهة نظر معينة وترتيب أفكاري خلال قراءتي لهذا الكتاب بشكل خاص وعند قراءتي لجلال أمين بوجه عام. أسلوبه يغري حقاً ويفتح شهيتي للكتابة بل وحتى للنقاش لما فيه من وضوح الحجة والمنطقية والعرض المبسط والخالي من التكلف للأفكار. 
وجدتني أفكر كثيراً خلال قراءتي له بأني أعرف كثيرين ممن يتصرفون على نحو مماثل له، فهو يروي مثلاً قصة له مع أحد أصدقائه ويعلق على شخصية وطباع هذا الصديق بدقة متناهية ويشرح أسباب تصرفه على نحو معين بواقعية وموضوعية شديدتين. 
مما يلفت الانتباه أيضاً صدق الكاتب في آراءه وبعده عن المجاملة والتصنع حتى عندما يتحدث عن أخطاءه هو مما يدل على حس عالي بالتصالح مع الذات أحسده عليه فعلاً. 

كان تقييمي له في goodreads ٤/٥ وذلك لأنني وددت لو أطال الشرح في بعض المواضع وتعمق فيها أكثر. وأخيراً، أنصح الجميع بقراءته حيث أنني متيقنة أن هذا النوع من الكتب يتناسب مع أذواق كثيرين من الناس.

الأحد، 26 يونيو 2016

ألوان غيرت حياتي




كانت الفكرة تراودنا منذ وقت طويل لكن الفرصة لم تسنح لنا حتى هذا الصيف، قررنا أنا وصديقتي منيرة أن ننظم مخيما صيفيا للأطفال في منزلنا. وبعد المشاورات والمباحثات اخترنا أن نطلق عليه اسم "Colors" أو ألوان وقد كان له من اسمه نصيب.

بدأنا التحضير له خلال مدة تقارب العشرة أيام لكن الفكرة مطروحة منذ أكثر من ذلك بكثير. بدأ اهتمامنا بالأطفال منذ أيام المرحلة المتوسطة، فقد كنا نشترك في الكثير من النشاطات التطوعية المتعلقة بالأطفال في المدرسة مما أكسبنا بعض الخبرة في طرق ترفيه الأطفال والتعامل معهم واستمر ذلك حتى تخرجنا من المرحلة الثانوية.  

بالإضافة إلى ذلك، أنا الكبرى في عائلتي المكونة من ستة اخوة واخوات وقد ساهمت بشكل كبير في تربية و "ترفيه" اثنين منهم. كما أنني توليت مسؤولية الاعتناء بأطفال العائلة والأقارب لشدة استمتاعي بقضاء الوقت معهم، وقد اعتدت تنسيق جداول ترفيهية لهم خلال العطلات وابتكار وسائل الترفيه من خلال المصادر المحدودة المتوفرة لدي.

قبل الشروع في فكرة المخيم الصيفي كانت تراودني مخاوف شديدة تمنعني من التنفيذ. فقد كنت أخشى أن يعيقنا عدم التخصص فيما يتعلق بالأنشطة المناسبة للفئات العمرية المختلفة وتفهم نفسيات الأطفال وغرس الصفات الحميدة فيهم، وذلك يعود لتخصصاتنا الجامعية فأنا خريجة قانون ومنيرة خريجة هندسة وكلا التخصصين بعيد أشد البعد عن علم النفس أو رياض الأطفال. كما كان هناك تخوف من تحمل مسؤولية الأطفال وحمايتهم من المخاطر وتوفير بيئة آمنة لهم، بالإضافة إلى التعامل المباشر مع أمهات الأطفال والإجابة على استفساراتهم المنطقية والمبررة بالتأكيد. وبعد البدء في التنفيذ وخلال فترة تسجيل الأطفال واجهنا العديد من المصاعب وبالأخص استفسارات الأمهات التي كانت في بعض الأحيان بعيدة عن الذوق والاحترام. فقد استفسرت إحدى الأمهات إن كانت بيئة مخيمنا خالية من التحرش ولكم أن تتخيلوا بقية المحادثة. كانت هذه الفترة هي الأصعب بلا شك وكنت أفكر جديا بالتخلي عن الفكرة والمشروع لعدم ثقتي من النجاح فيه لولا تشجيع منيرة الدائم لي وثقتها اللامحدودة فيني. ولعل منيرة أكبر عامل لنجاحي في هذا المشروع حيث أن وجودها فقط يجلب لي الاطمئنان والسكينة ولا أظن أن هناك من أثق فيه وأئتمنه أكثر منها، هذا بدون الحديث عن أفكارها الخلاقة و مقدرتها الفائقة على التخطيط والتنسيق في أصعب الأوضاع. 

تلاشت كل المخاوف بعد أن التقيت بأول طفل وأدركت الدافع الحقيقي لهذا المشروع. فقد جاء للتسجيل برفقة والدته وجلست أتحدث معه ولعبنا قليلا ولم يرغب بالخروج بعد انتهاء والدته من اجراءات التسجيل. (كما أنه كان طفلي المفضل) شعرت حينها بأن الهدف وراء كل هذا المجهود هو إسعاد الأطفال وبث البهجة في قلوبهم  وقد تحقق في ذلك في مدة بسيطة جدا ولم يتطلب الأمر سوى النزول لمستوى اهتمامات الطفل واشعاره بأهميته وتميزه فقط.

في الأيام الأولى لم يكن الوضع يسير كما كان مخططا له، لكننا أدركنا الأخطاء وحاولنا تفاديها قدر المستطاع وكنا نقيم أداؤنا يوميا ونقارنه بالأيام السابقة وكان الوضع في تحسن مستمر. فمن المشاكل التي حدثت على سبيل المثال، سوء التنسيق بيننا وبين المتطوعات المسؤولات عن كل مجموعة من الأطفال وقد سبب ذلك احباطا لدى المتطوعات مما حد من رغبتهم في العطاء، لكننا مع الوقت حاولنا معرفة نقاط القوة لدى كل منهم ومنحها المساحة الكافية للإبداع. لكن أسوأ المواقف التي حدثت وأكثرها رعبا على الإطلاق كان محاولة أحد الأطفال بالهروب بعد أن خسر في إحدى الألعاب ولحاقي به حتى باب الشارع. وبعد هذه الحادثة كرسنا كافة الجهود لحراسة الأبواب وإحكام إغلاقها بالإضافة إلى الحد من المنافسة بين الأطفال وإن كانوا هم من يشعلها في الأساس.

أما بالنسبة للأهم من هذا كله، فالدروس المستفادة من خلال هذه التجربة تكاد لا تحصى ولا أبالغ إن قلت أن ما تعلمته في هذا الشهر أكبر بكثير مما تعلمت من جميع النشاطات والأعمال التي قمت بها خلال السنوات الماضية. لم يمر يوم دون أن أتعلم فيه شيء جديد، فبالإضافة إلى قوة التحمل والصبر وطول البال تعلمت أن كل هموم الدنيا تتلاشى بقرب الأطفال. وأن لا طاقة إيجابية تعادل الطاقة المكتسبة من الحديث مع الأطفال لمدة ربع ساعة. وقد عرفت قيمة كلمات التقدير والتشجيع وقدرتها السحرية في التأثير على الآخرين فكلمات الأمهات عن سعادة أطفالهم في المخيم الصيفي لا تقدر بثمن، وكنت أترقب حضور الأمهات في نهاية اليوم  حتى أرى نظرة الفرح الممتزجة بالفخر عند رؤيتهم لأطفالهم. وقد تعلمت من الأطفال قيمة الأمل والتفاؤل والفضول. فالطفولة أغنى مراحل الحياة وأصدقها وخلالها يكون الإنسان منفتحا للحياة وباحثا شغوفا عن المعرفة والجمال، وفيها تكون البساطة وحب الحياة والضحك من أعماق القلب على أتفه الأسباب وأصغرها. ولعل أثمن ما تعلمت هو ألا أدع المجال للطفلة التي بداخلي أن تكبر وأن أظل طفلة مدى الحياة لأن هذا هو سر السعادة الحقيقية.
أتمنى أن أكون قد لمست حياة هؤلاء الأطفال بنصف القدر الذي غيروا نظرتي للحياة فيه. وأتمنى لجميع البشر اقتباس بعض من بهجة الأطفال ونقاء قلوبهم لنعيش في سلام وحب وصفاء.  


  

الجمعة، 12 فبراير 2016

زمن الخيول البيضاء




اخترت أن أبدأ التدوين بالحديث عن إحدى رواياتي المفضلة على الإطلاق!

زمن الخيول البيضاء هي جزء من سلسلة الملهاة الفلسطينية لابراهيم نصرالله والتي تتحدث عن فلسطين منذ نهاية الاحتلال العثماني مروراً بالاحتلال البريطاني وحتى قرار تقسيم فلسطين وانتهاءاً بحرب ال٤٨. 
هي رواية عظيمة جعلتني أحن إلى ماضي لم أعرفه يوماً، وزادت كرهي للواقع الذليل الذي يعيش فيه العرب اليوم. وجدت إجابات لأسئلة كثيرة كانت تجول بذهني حول القضية الفلسطينية. آلمني جداً بحث الناس عن مصالحهم غير عابئين بمستقبل الأرض والشعب مما يجعلهم حتى الآن يستمرون في خيانة هذه القضية العادلة. دقة المعلومات رهيبة للحد الذي يجعلني أشك أن الكاتب عاش تلك الفترات، واتضح آن هذه قصة قرية الكاتب فعلا وأنه استقى المعلومات من والديه وأجداده.
عشقت الهادية وحياة الناس بها وتمنيت من قلبي لو كنت إحدى الشخصيات التي عاشت فيها. سحرني الحاج خالد بشهامته وشجاعته التي لم تبدو مزيفة ولا مبالغاً فيها. أسرني تقديس الخيول ومعاملتها كالمرأة التي كانت كريمة جداً في ذلك العصر. وقد يرى البعض مثالية الراوية لكن تقديم الناس كرامتهم على الحياة لم يبدو متكلفاً ولا خيالياً بالنسبة لي بل هي طبيعة البشر الأحرار الذين أصبحوا نادرين في هذا الزمن لذا قد يصعب على البعض استيعابها.
تنقسم الراوية لثلاث "كتب" أو أجزاء مختلفة عن ثلاثة أجيال لعائلة واحدة. كتاب الريح كان الأقرب إلى قلبي بينما حبس كتاب التراب أنفاسي، أما كتاب البشر فكنت أتمنى ألا ينتهي أبداً. أشعر بالحزن الشديد لانتهائي من هذه الرواية التي أجزم أنها أجمل رواية قرأتها حتى الآن وما يهوّن الأمر هو تطلعي لقراءة أجزاء الملهاة الأخرى. 
هي رواية تحبس الأنفاس ولا يسعك أمام روعتها إلا أن تنقض عليها وتلتهمها فيما لا يزيد عن ثلاثة أيام! 



اقتباسات من الرواية: 

"أرسلوا لنا جيوشاً صنعها الإنجليز ويقودها الإنجليز لتقاتل الإنجليز واليهود الذين يحميهم الإنجليز، كيف صدّقنا؟؟"


"أنا أخاف شيئاً واحداً أن ننكسر إلى الأبد، لأن الذي ينكسر إلى الأبد لا يمكن أن ينهض ثانية، قل لهم احرصوا على ألا تهزموا إلى الأبد."


" لم يخلق الله وحشاً أسوأ من الإنسان، ولم يخلق الإنسان وحشاً أسوأ من الحرب."