الأحد، 26 يونيو 2016

ألوان غيرت حياتي




كانت الفكرة تراودنا منذ وقت طويل لكن الفرصة لم تسنح لنا حتى هذا الصيف، قررنا أنا وصديقتي منيرة أن ننظم مخيما صيفيا للأطفال في منزلنا. وبعد المشاورات والمباحثات اخترنا أن نطلق عليه اسم "Colors" أو ألوان وقد كان له من اسمه نصيب.

بدأنا التحضير له خلال مدة تقارب العشرة أيام لكن الفكرة مطروحة منذ أكثر من ذلك بكثير. بدأ اهتمامنا بالأطفال منذ أيام المرحلة المتوسطة، فقد كنا نشترك في الكثير من النشاطات التطوعية المتعلقة بالأطفال في المدرسة مما أكسبنا بعض الخبرة في طرق ترفيه الأطفال والتعامل معهم واستمر ذلك حتى تخرجنا من المرحلة الثانوية.  

بالإضافة إلى ذلك، أنا الكبرى في عائلتي المكونة من ستة اخوة واخوات وقد ساهمت بشكل كبير في تربية و "ترفيه" اثنين منهم. كما أنني توليت مسؤولية الاعتناء بأطفال العائلة والأقارب لشدة استمتاعي بقضاء الوقت معهم، وقد اعتدت تنسيق جداول ترفيهية لهم خلال العطلات وابتكار وسائل الترفيه من خلال المصادر المحدودة المتوفرة لدي.

قبل الشروع في فكرة المخيم الصيفي كانت تراودني مخاوف شديدة تمنعني من التنفيذ. فقد كنت أخشى أن يعيقنا عدم التخصص فيما يتعلق بالأنشطة المناسبة للفئات العمرية المختلفة وتفهم نفسيات الأطفال وغرس الصفات الحميدة فيهم، وذلك يعود لتخصصاتنا الجامعية فأنا خريجة قانون ومنيرة خريجة هندسة وكلا التخصصين بعيد أشد البعد عن علم النفس أو رياض الأطفال. كما كان هناك تخوف من تحمل مسؤولية الأطفال وحمايتهم من المخاطر وتوفير بيئة آمنة لهم، بالإضافة إلى التعامل المباشر مع أمهات الأطفال والإجابة على استفساراتهم المنطقية والمبررة بالتأكيد. وبعد البدء في التنفيذ وخلال فترة تسجيل الأطفال واجهنا العديد من المصاعب وبالأخص استفسارات الأمهات التي كانت في بعض الأحيان بعيدة عن الذوق والاحترام. فقد استفسرت إحدى الأمهات إن كانت بيئة مخيمنا خالية من التحرش ولكم أن تتخيلوا بقية المحادثة. كانت هذه الفترة هي الأصعب بلا شك وكنت أفكر جديا بالتخلي عن الفكرة والمشروع لعدم ثقتي من النجاح فيه لولا تشجيع منيرة الدائم لي وثقتها اللامحدودة فيني. ولعل منيرة أكبر عامل لنجاحي في هذا المشروع حيث أن وجودها فقط يجلب لي الاطمئنان والسكينة ولا أظن أن هناك من أثق فيه وأئتمنه أكثر منها، هذا بدون الحديث عن أفكارها الخلاقة و مقدرتها الفائقة على التخطيط والتنسيق في أصعب الأوضاع. 

تلاشت كل المخاوف بعد أن التقيت بأول طفل وأدركت الدافع الحقيقي لهذا المشروع. فقد جاء للتسجيل برفقة والدته وجلست أتحدث معه ولعبنا قليلا ولم يرغب بالخروج بعد انتهاء والدته من اجراءات التسجيل. (كما أنه كان طفلي المفضل) شعرت حينها بأن الهدف وراء كل هذا المجهود هو إسعاد الأطفال وبث البهجة في قلوبهم  وقد تحقق في ذلك في مدة بسيطة جدا ولم يتطلب الأمر سوى النزول لمستوى اهتمامات الطفل واشعاره بأهميته وتميزه فقط.

في الأيام الأولى لم يكن الوضع يسير كما كان مخططا له، لكننا أدركنا الأخطاء وحاولنا تفاديها قدر المستطاع وكنا نقيم أداؤنا يوميا ونقارنه بالأيام السابقة وكان الوضع في تحسن مستمر. فمن المشاكل التي حدثت على سبيل المثال، سوء التنسيق بيننا وبين المتطوعات المسؤولات عن كل مجموعة من الأطفال وقد سبب ذلك احباطا لدى المتطوعات مما حد من رغبتهم في العطاء، لكننا مع الوقت حاولنا معرفة نقاط القوة لدى كل منهم ومنحها المساحة الكافية للإبداع. لكن أسوأ المواقف التي حدثت وأكثرها رعبا على الإطلاق كان محاولة أحد الأطفال بالهروب بعد أن خسر في إحدى الألعاب ولحاقي به حتى باب الشارع. وبعد هذه الحادثة كرسنا كافة الجهود لحراسة الأبواب وإحكام إغلاقها بالإضافة إلى الحد من المنافسة بين الأطفال وإن كانوا هم من يشعلها في الأساس.

أما بالنسبة للأهم من هذا كله، فالدروس المستفادة من خلال هذه التجربة تكاد لا تحصى ولا أبالغ إن قلت أن ما تعلمته في هذا الشهر أكبر بكثير مما تعلمت من جميع النشاطات والأعمال التي قمت بها خلال السنوات الماضية. لم يمر يوم دون أن أتعلم فيه شيء جديد، فبالإضافة إلى قوة التحمل والصبر وطول البال تعلمت أن كل هموم الدنيا تتلاشى بقرب الأطفال. وأن لا طاقة إيجابية تعادل الطاقة المكتسبة من الحديث مع الأطفال لمدة ربع ساعة. وقد عرفت قيمة كلمات التقدير والتشجيع وقدرتها السحرية في التأثير على الآخرين فكلمات الأمهات عن سعادة أطفالهم في المخيم الصيفي لا تقدر بثمن، وكنت أترقب حضور الأمهات في نهاية اليوم  حتى أرى نظرة الفرح الممتزجة بالفخر عند رؤيتهم لأطفالهم. وقد تعلمت من الأطفال قيمة الأمل والتفاؤل والفضول. فالطفولة أغنى مراحل الحياة وأصدقها وخلالها يكون الإنسان منفتحا للحياة وباحثا شغوفا عن المعرفة والجمال، وفيها تكون البساطة وحب الحياة والضحك من أعماق القلب على أتفه الأسباب وأصغرها. ولعل أثمن ما تعلمت هو ألا أدع المجال للطفلة التي بداخلي أن تكبر وأن أظل طفلة مدى الحياة لأن هذا هو سر السعادة الحقيقية.
أتمنى أن أكون قد لمست حياة هؤلاء الأطفال بنصف القدر الذي غيروا نظرتي للحياة فيه. وأتمنى لجميع البشر اقتباس بعض من بهجة الأطفال ونقاء قلوبهم لنعيش في سلام وحب وصفاء.  


  

هناك 5 تعليقات:

  1. ابداااااع كالعاده
    مجرد قراءة النص اشتقت لتك الايام ����
    شكرررا يا سبب سعادة تلك الايام.. ولولا انتي لما كان هذا النجاح بالتأكيد

    ردحذف
  2. مبدعه و ناجحه دائما ماشاءالله و ما يميز نجاحك هو اخلاصك و دقتك في كل اعمالك.

    خلال قرائتي تمنيت لو اني شاركت بالعمل التطوعي معكم..

    ردحذف
  3. I'm so PROUD OF YOU SIS❤️❤️❤️����

    ردحذف
  4. بارك الله لكما صداقتما وامدها حتى اخر العمر.
    رائعة ماشاءالله و متميزه حتى بتعبيرك عن مشاعرك وتجربتك في المخيم الصيفي ومتأكدة من النتائج الناجحه ولعله يكون بدايه لمخيمات صيفيه قادمه في كل سنه .. حفظك الله ورعى فيك الطفلة والشابة فكل منهما يكمل تميزك ❤️❤️

    ردحذف
  5. من أكثر الأشياء الي شفتها وحبيتها كثير أشهد لابداعك وخيالك الواسع وابتكاراتك انتي وصديقتك الجميلة ������ تمنيت كثيررر ان مايكون عندي أي ارتباط واشارك معاكم لو تطوع ،لأنه اي شي فيه عمل مع اطفال تحسين فيه بانجاز كبير فعلاً ،موفقة يارب واتمنى لك اسم ومستقبل باهر وياخذ جزء من شخصيتك الجميلة تبارك الله

    ردحذف