الثلاثاء، 11 ديسمبر 2018

The Quality of Beingness جودة الكينونة





Image result for dinner party




من أكبر متع الحياة لدي هي المحادثات العميقة، وإن أكثر ما يثير اهتمامي هو استكشاف الآخرين ومعرفة نظرتهم الفريدة للحياة وما يشغل تفكيرهم وهذا البحث المستمر لدي ليس إلا محاولة شغوفة لاستخراج ما لا أعرف من كنوز ثمينة قد أحصل عليها من خلال تلك المحادثات. 

هناك سؤال اعتدت أن أطرحه على الأشخاص الذين أود التعرف عليهم.. " لو كان بإمكانك دعوة أشخاص على حفلة عشاء خاصة بك بشرط أن تسألهم كل ما يحلو لك وعليهم الإجابة، مع العلم بأن الأشخاص يمكن أن يكونوا مشاهير، شخصيات خيالية، على قيد الحياة أو متوفين. من ستدعو ولماذا؟"

لن أبدأ بطرح الأجوبة العديدة التي تلقيتها من مختلف الأشخاص، لكنني سأناقش أولاً سبب طرحي لهذا السؤال من الأساس. إن مراحل الوعي حسب ما يقول ديفيد هوكينز في كتابه العظيم "السماح بالرحيل" تبدأ بالوعي بما هو لدينا، وهي أقل مرحلة، ذلك يعني أن الصورة التي نحملها عن أنفسنا مرتبطة بما هو بحوزتنا، ،نستمد من تلك الأشياء قيمتنا ونجعلها تحدد موقعنا في هذه الحياة.
أما المرحلة التي تليها فهي الوعي بما نفعله، فنجعل ما نقوم بفعله في حياتنا يحدد صورتنا عن أنفسنا وقيمتنا، وأخيراً تأتي  المرحلة العليا من الوعي وهي الوعي بما نحن عليه، الوعي بوجودنا وكينونتنا، وعلى ذلك نستمد من دواخلنا قيمتنا الحقيقية فهي لن تتغير أو تتأثر بذهاب ما كان لدينا أو بزوال ما نفعله في هذه الحياة لأي سبب كان. 

إن الوصول لهذه القناعة ليس بالأمر السهل على الإطلاق، فإنه من الطبيعي الإنجراف وراء المعتقدات السلبية التي من شأنها أن تقلل من قيمتنا لدى أنفسنا أولاً قبل أن تحدد قيمتنا لدى الآخرين، فأنا الآن في مرحلة انتقالية من حياتي وأبحث عن عمل، وكثيراً ما أجد نفسي خصوصاً عند مقابلة أشخاص جدد أخجل من قول أنني في فترة انتقالية وأنني بلا عمل في الوقت الحالي، وأنسى أنني أكثر من ذلك بكثير وأن العمل ولو كان من أساسيات الحياة إلا أنه لا ينقص أو يزيد من الكنوز الكامنة بداخلي أو أي شخص آخر. وأنسى أيضاً أنه يوجد ملايين الأشخاص ممن يعملون في مناصب كبيرة جداً ولكن أرواحهم باهتة وعقولهم خالية. 
أريدكم أن تأخذوا دقيقة لتفكروا بالأشخاص الموجودين في حياتكم، أكاد أجزم أن الأشخاص الذين يتمتعون بكاريزما طاغية وحضور مبهر قليلين جداً وينعمون بسلام داخلي وتصالح عالي جداً مع الذات، وأن حضورهم يجلب لكم السعادة وتتمنون أن لا ينتهي الحديث معهم. وأظننا قد نتفق أن هؤلاء الأشخاص قد لا يكونون بالضرورة أنجح من تعرفون على الإطلاق ولا من يحوزون على أعلى المناصب أو أغنى الأرصدة البنكية. هؤلا الأشخاص لديهم ما هو أهم بكثير، لقد وصلوا لحالة "جودة الكينونة" وهي ترجمتي المتواضعة ل The Quality of Beingness كما يعبر عنها العبقري ديفيد هوكينز. 
هؤلاء الأشخاص واعين بشكل كبير لأنفسهم، لأرواحهم الحقيقية وليسوا ضحايا لبرمجة العالم السلبية التي تجعل منا نسخاً بائسة مكررة تعمل بلا كلل وملل لطمس تفردنا وأفكارنا العظيمة. 
وذلك يعيدني للموضوع الأصلي لهذه التدوينة، هناك عدد لا محدود من الأسئلة التي تمكننا من سبر أغوار عقول الآخرين من حولنا واستكشافهم، وهناك أيضاً عدد لا محدود من المحادثات المثيرة للاهتمام بانتظارنا. وأن جودة الحياة هي حالة عقلية أولاً وآخراً. وأطلب منكم في المرة القادمة التي تقابلون فيها أشخاصاً جدد أن تسألوهم من سيدعون للعشاء بدلاً من الأسئلة المستهلكة والمبتذلة عن ماذا يعملون وماذا درسوا والسؤال الأكثر إلحاحاً على الإطلاق كم يجنون من المال! 
 إن الهدف الحقيقي من هذا السؤال هو اكتشاف التساؤلات الخفية لمن حولنا، ومعرفة ما إذا كانوا قد حققوا أهدافهم الداخلية عوضاً عن الأهداف السطحية الخارجية، إن كانوا يرأسون شركة ناجحة أو كانوا أعضاء مجلس إدارة مثلاً، الأهداف الحقيقية لإشباع تواضع أرواحهم، وعيهم، تسامحهم مع أنفسهم، محبتهم ورغبتهم بالحياة. وإن الأجوبة التي سنتلقاها ستكون بمثابة التقييم الحقيقي لجودة الكينونة لهؤلاء الأشخاص. 
وحتى أشبع فضولكم، إن من أكثر الأجوبة التي تلقيتها على هذا السؤال هو الملك عبدالعزيز، ونستن تشرتشل، غازي القصيبي، ونزار قباني. أما بالنسبة لقائمة مدعويني الخاصة فإني سأحتفظ بها لنفسي على أمل أن نتحدث عنها سوياً في لقاءنا القادم.. 
ماذا عنكم أنتم، من ستدعون ولماذا؟ 




"What we are now, we continue to be"

Peter Santos -