الأحد، 7 يوليو 2019

عندما يكون التلميذ جاهزاً، يظهر المعلم!

 

بعد النجاح الباهر الذي حققه سؤال من ستدعو للعشاء، وجميع النقاشات الممتعة والاستكشافات الرائعة التي نتجت عنه، قررت أن أجعلها مهمتي الشخصية في هذا الكون ألا أتوقف عن طرح الأسئلة العميقة ولن أنسى مشاركتكم إياها طبعاً، استعدوا!

"!When the student is ready, the master appears"
يقال أنه عندما يكون التلميذ جاهزاً، يظهر المعلم!
قد يظهر المعلم على هيئة كتاب، أغنية، فيلم، موقف، أو حتى شخص.
في حالتي أنا، قد تكون اجتمعت كل هذه الأشياء لتعليمي درسي الكوني.
لعل معلمي الأول قد جاء بالصدفة -أو لعلها لم تكن صدفة- على هيئة كتاب صوتيThe universe has your back by Gabrielle Bernstein، كان هناك شيء ساحر في سماع الكلمات من صوت الكاتبة نفسها، شيء ما يجعل الكلمات تنبعث للحياة وتصل لروحي بسلاسة.
إن جملة "هذا الكتاب غيّر حياتي" فيها القليل من الدراماتيكية والمبالغة، لكن هذا الكتاب فعل ذلك وأكثر!

فكرة الكتاب بسيطة جداً ولعلها ليست بالجديدة، لكن السر يكمن في طريقة طرحها للفكرة. لقد سمعنا مراراً وتكراراً أن أفكارنا تشكل واقعنا الذي نعيشه، لكن ذلك حقيقةً لم يقنعني يوماً بل وكنت أسخر من تلك الفكرة، فبالنسبة لي كنت أنظر للحياة بنظرة عملية بحتة: أدرس بجد أحصل على العلامة الجيدة، أتمرن بشكل مستمر أكتسب عضلات، أعمل بجد أحصد ثمار جهدي. تقول أيضاً أن كل ما نركز عليه يزداد في حياتنا سواءً سلباً أو إيجاباً.

تتحدث الكاتبة بكل بساطة عن تحويل الخوف للحب، وكيف أن جميع عوائق حياتنا ناتجة عن الخوف بطريقة أو بأخرى. والحب المقصود هنا هو الحب الكوني، التسليم والثقة بالله.
كلما حاولت شرح فكرة الكتاب لأحد أجد نفسي عاجزة حقاً ولا أعرف السبب، هل بسبب شدة بساطة الفكرة يصعب شرحها؟
لكن يمكنني أن ألخص أهم فكرة تعلمتها: أغلب مشاكلنا -أو كلها- تنتج عن عدم سير الأمور كما نريد، رغبتنا بالسيطرة والتحكم بكل شيء حولنا هي سبب معاناتنا وعدم رضانا. التسليم للكون وخالق الكون بتسيير حياتنا كما هو مقدّر لنا، على الأغلب يخبئ الله لنا خطة أجمل وأفضل بكثير من تلك التي وضعناها لأنفسنا!

عندما أعود بذاكرتي للوراء، أجد حقيقة هذه الفكرة فعلاً وأن كل ما يثير قلقي ويزعجني هو عدم مقدرتي على السيطرة على كل ما يحدث حولي. إن التسليم لله لتدبير أمورنا يجعلنا نشعر بالضعف أو قلة الحيلة أحياناً، لكن حقيقة الأمر أن القوة كلها تكمن في ذلك التسليم وراحة البال عندما نؤمن أن أحكم الحكماء وأقوى الأقوياء يدبر أمرنا ويسيّرنا لأفضل مما يمكننا حتى تخيله.

تتحدث الكاتبة أيضاً عن ضرورة السماع لصوتنا الداخلي واتصالنا بأرواحنا، فبدلاً من أن نضيع أوقاتنا في التساؤل -الغير مجدي-: لماذا يحصل معي هذا، يجب أن نسأل ما هو الدرس الذي يريد هذا الحدث أن يعلمني إياه؟
سيتكرر الدرس بطريقة أخرى حتى نتعلم ما يفترض بنا تعلمه، إن الشعور بالأسى والشفقة على الذات ولعب دور الضحية دائماً يمنعنا من فهم الدروس الكونية التي تأتي في طريقنا. مهما كانت صعوبة الدرس الكوني، لم يضعه الله في طريقنا إلا لأنه يعلم مدى مقدرتنا على تجاوزه.

أما الفيلم فكان مقطع من Toy Story 4 عندما اكتشف Buzz صوته الداخلي، وكان يطلب منه المساعدة والتوجيه كلما وقع في مأزق!

وأما الأغنية كانت Hang on little tomato by Pink Martini، ولم تكن مصادفة كذلك أن فكرة الأغنية الأساسية هي كيف أن  شخص ما قد أسدى نصيحة بأن تتشبث وتستمع لصوتك الداخلي عندما تشتد المعاناة وأن تنظر للسماء لأن شيئاً رائعاً قادم في الطريق إليك، وأن الأيام السيئة تصنع النسخة الأجمل من روحك!


 السؤال الجديد الذي قمت بإدخاله لقائمة أسئلتي المفضلة: "ما هو الحدث الذي تعتبره غيّر حبكة قصة حياتك؟"
"What is the plot twisting event of your life?"
عند إجابتكم على هذا السؤال فكروا كم مرة حدث شيء عكس مخططاتكم وأمنياتكم لكن تبين لكم بعدها أن ذلك ترتب عليه شيء أجمل بكثير؟ وكم من مرة شكرتم الله على عدم حدوث ما تمنيتم حدوثه؟

العوائق هي إعادة توجيه للطريق الصحيح، عندما لا يحدث ما تتمنوه، توقعوا المعجزات!

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2018

The Quality of Beingness جودة الكينونة





Image result for dinner party




من أكبر متع الحياة لدي هي المحادثات العميقة، وإن أكثر ما يثير اهتمامي هو استكشاف الآخرين ومعرفة نظرتهم الفريدة للحياة وما يشغل تفكيرهم وهذا البحث المستمر لدي ليس إلا محاولة شغوفة لاستخراج ما لا أعرف من كنوز ثمينة قد أحصل عليها من خلال تلك المحادثات. 

هناك سؤال اعتدت أن أطرحه على الأشخاص الذين أود التعرف عليهم.. " لو كان بإمكانك دعوة أشخاص على حفلة عشاء خاصة بك بشرط أن تسألهم كل ما يحلو لك وعليهم الإجابة، مع العلم بأن الأشخاص يمكن أن يكونوا مشاهير، شخصيات خيالية، على قيد الحياة أو متوفين. من ستدعو ولماذا؟"

لن أبدأ بطرح الأجوبة العديدة التي تلقيتها من مختلف الأشخاص، لكنني سأناقش أولاً سبب طرحي لهذا السؤال من الأساس. إن مراحل الوعي حسب ما يقول ديفيد هوكينز في كتابه العظيم "السماح بالرحيل" تبدأ بالوعي بما هو لدينا، وهي أقل مرحلة، ذلك يعني أن الصورة التي نحملها عن أنفسنا مرتبطة بما هو بحوزتنا، ،نستمد من تلك الأشياء قيمتنا ونجعلها تحدد موقعنا في هذه الحياة.
أما المرحلة التي تليها فهي الوعي بما نفعله، فنجعل ما نقوم بفعله في حياتنا يحدد صورتنا عن أنفسنا وقيمتنا، وأخيراً تأتي  المرحلة العليا من الوعي وهي الوعي بما نحن عليه، الوعي بوجودنا وكينونتنا، وعلى ذلك نستمد من دواخلنا قيمتنا الحقيقية فهي لن تتغير أو تتأثر بذهاب ما كان لدينا أو بزوال ما نفعله في هذه الحياة لأي سبب كان. 

إن الوصول لهذه القناعة ليس بالأمر السهل على الإطلاق، فإنه من الطبيعي الإنجراف وراء المعتقدات السلبية التي من شأنها أن تقلل من قيمتنا لدى أنفسنا أولاً قبل أن تحدد قيمتنا لدى الآخرين، فأنا الآن في مرحلة انتقالية من حياتي وأبحث عن عمل، وكثيراً ما أجد نفسي خصوصاً عند مقابلة أشخاص جدد أخجل من قول أنني في فترة انتقالية وأنني بلا عمل في الوقت الحالي، وأنسى أنني أكثر من ذلك بكثير وأن العمل ولو كان من أساسيات الحياة إلا أنه لا ينقص أو يزيد من الكنوز الكامنة بداخلي أو أي شخص آخر. وأنسى أيضاً أنه يوجد ملايين الأشخاص ممن يعملون في مناصب كبيرة جداً ولكن أرواحهم باهتة وعقولهم خالية. 
أريدكم أن تأخذوا دقيقة لتفكروا بالأشخاص الموجودين في حياتكم، أكاد أجزم أن الأشخاص الذين يتمتعون بكاريزما طاغية وحضور مبهر قليلين جداً وينعمون بسلام داخلي وتصالح عالي جداً مع الذات، وأن حضورهم يجلب لكم السعادة وتتمنون أن لا ينتهي الحديث معهم. وأظننا قد نتفق أن هؤلاء الأشخاص قد لا يكونون بالضرورة أنجح من تعرفون على الإطلاق ولا من يحوزون على أعلى المناصب أو أغنى الأرصدة البنكية. هؤلا الأشخاص لديهم ما هو أهم بكثير، لقد وصلوا لحالة "جودة الكينونة" وهي ترجمتي المتواضعة ل The Quality of Beingness كما يعبر عنها العبقري ديفيد هوكينز. 
هؤلاء الأشخاص واعين بشكل كبير لأنفسهم، لأرواحهم الحقيقية وليسوا ضحايا لبرمجة العالم السلبية التي تجعل منا نسخاً بائسة مكررة تعمل بلا كلل وملل لطمس تفردنا وأفكارنا العظيمة. 
وذلك يعيدني للموضوع الأصلي لهذه التدوينة، هناك عدد لا محدود من الأسئلة التي تمكننا من سبر أغوار عقول الآخرين من حولنا واستكشافهم، وهناك أيضاً عدد لا محدود من المحادثات المثيرة للاهتمام بانتظارنا. وأن جودة الحياة هي حالة عقلية أولاً وآخراً. وأطلب منكم في المرة القادمة التي تقابلون فيها أشخاصاً جدد أن تسألوهم من سيدعون للعشاء بدلاً من الأسئلة المستهلكة والمبتذلة عن ماذا يعملون وماذا درسوا والسؤال الأكثر إلحاحاً على الإطلاق كم يجنون من المال! 
 إن الهدف الحقيقي من هذا السؤال هو اكتشاف التساؤلات الخفية لمن حولنا، ومعرفة ما إذا كانوا قد حققوا أهدافهم الداخلية عوضاً عن الأهداف السطحية الخارجية، إن كانوا يرأسون شركة ناجحة أو كانوا أعضاء مجلس إدارة مثلاً، الأهداف الحقيقية لإشباع تواضع أرواحهم، وعيهم، تسامحهم مع أنفسهم، محبتهم ورغبتهم بالحياة. وإن الأجوبة التي سنتلقاها ستكون بمثابة التقييم الحقيقي لجودة الكينونة لهؤلاء الأشخاص. 
وحتى أشبع فضولكم، إن من أكثر الأجوبة التي تلقيتها على هذا السؤال هو الملك عبدالعزيز، ونستن تشرتشل، غازي القصيبي، ونزار قباني. أما بالنسبة لقائمة مدعويني الخاصة فإني سأحتفظ بها لنفسي على أمل أن نتحدث عنها سوياً في لقاءنا القادم.. 
ماذا عنكم أنتم، من ستدعون ولماذا؟ 




"What we are now, we continue to be"

Peter Santos -









الاثنين، 1 مايو 2017

الانتقائية متعة عظيمة!



الانتقائية متعة عظيمة!


تصنف الانتقائية حسب الاعتقاد السائد بأنها من الطباع الصعبة بل وأنها تعتبر سلبية تشوب صاحبها. وقد كنت أتلقى هذا التعليق كثيراً طوال حياتي. فأنا لا آكل اللحم مثلاً ولا أشاهد أفلام الرعب والآكشن وأكره المآسي. وقد كنت أظن بأنه فاتني الكثير بسبب انتقائيتي وأنها قد قيدت حياتي بطريقة أو أخرى كما أنني كنت ألوم نفسي لأنني من وضع هذه القيود وبالتالي حرمت نفسي من متع كثيرة.
أما الآن وقد بدأت – ولم أصل بعد- لمرحلة التصالح مع ذاتي وتقبل نفسي بكل ما فيها من طباع، فقد أصبحت أنظر للانتقائية بأنها نوع من الذائقة. الذائقة الصعبة ما هي إلا شكل آخر للاختيار. فأنا أختار ما يطرب سمعي مثلاً، مما يجعل أذني انتقائية مكونةً بذلك ذوقي الخاص. واكتشفت مؤخراً أن الذائقة الصعبة ترفع من مستوى المتعة. فلكما زادت الانتقائية زادت المتعة في اكتشاف ما يرقى لمستوى تلك الذائقة.
على عكس ما يعتقد البعض فالانتقائية ليست عائق ضد التنويع على الاطلاق، فأنا أحب أن أفكر بها كـ "فلتر" يستقبل جميع ما يمر عليه ويصفي الجيد من الرديء بحسب معايير الشخص الخاصة به. وقد يكتشف الانسان أشياء جديدة تعجبه قد لا تكون بالضرورة مما كان يستسيغه من قبل. فالذائقة تتطور وتتغير مع الوقت والنضج.
كلما عرف الانسان نفسه كلما زادت فرصه في اكتشاف ما يرضي ذائقته، عندها تتحول جميع أمور الحياة إلى متع. فعندما يحدد مثلاً ما يحب أن يقرأ عندها سيقرأ الكتب التي تعجبه بمستوى عالي من اللذة والشغف بعكس من يقرأ شيئاً لمجرد فعل القراءة بحد ذاته.

الانتقائية تسبب حالة طرب للروح ونشوة للعقل، وهذه هي السعادة الحقيقية!  



الأحد، 2 أبريل 2017

Serendipity!

Instead of worrying about what you cannot control, shift your energy to what you can create.”
Roy T. Bennett


كنت قد توقفت عن التدوين لفترة بحجة عدم تفرغي للكتابة وعدم صفاء ذهني حتى استوقفتني هذه العبارة وألهمتني لأن أعود وأكتب.

إني من حزب المؤمنين بالصدف وبالأحداث التاريخية التي تقلب الحياة رأساً على عقب. وأنا لا أتحدث هنا عن الصدفة بمفهومها العادي، إنني أعني الصدفة التي تتكون من سلسلة من الأحداث الغير متوقعة والتي تؤدي لنتيجة سعيدة ومفيدة. إن أهم عنصر في الصدفة هو عدم التوقع. فهل من السذاجة الإيمان بالحظ والظروف عوضاً عن الأسباب والنتائج؟ وهل نتحكم بجميع الأسباب التي تحدث حولنا؟
هناك صدف أكبر من أن تكون محض صدفة تجعلنا نظن بأن هناك خيطاً خفياً يربطنا بصدفة مجهولة قد نمسك به يوماً أو نمر به مروراً عابراً و نقطعه للأسف دون أن نراه!



Instructions for living a life.
Pay attention.
Be astonished.
Tell about it.”
Mary Oliver

الأحد، 18 سبتمبر 2016

مراجعة كتاب: مكتوب على الجبين



دائماً ما أستمتع بصحبة جلال أمين مهما كان موضوع كتابه وهذا الكتاب الذي يتناول فصول من حياته وعلاقاته مع الآخرين وهو أقرب ما يكون إلى السيرة الذاتية ليس باستثناء. 
قبل شروعي في قراءة الكتاب لم أكن متأكدة تماماً من موضوعه حيث أنني قد اشتريته منذ مدة طويلة لكنني توقعت أن يكون مجموعة مقالات تتناول موضوعات عامة مختلفة (على الرغم من أن العنوان يوضح أنه سيرة ذاتية). استبعدت كونه سيرة ذاتية وذلك لأَنِّي سبق وأن  قرأت سيرته الذاتية في جزئين (ماذا علمتني الحياة ورحيق العمر) وقد كانا من أجمل وأعمق ما قرأت. 

يقع الكتاب في خمسة أبواب ويتناول كل باب فكرة معينة وذكريات تندرج تحت تلك الفكرة. فالباب الأول مثلاً يتناول ذكرياته العائلية أما الثاني فيتناول ذكريات مرحلة الشباب. الباب الرابع تحديداً كان المفضل لدي فقد أثرى معلوماتي وقادني إلى تفكير عميق بالرأسمالية والمجتمع الاستهلاكي وقد تطرق الكاتب لفكرة معينة أثارت انتباهي كثيراً كان قد تحدث عنها بإسهاب في كتابه الرائع "خرافة التقدم والتخلف" وهي حقيقة العلاقة بين مستوى الدخل للفرد ورفاهيته في نمط المعيشة الأمريكي بالتحديد، فالمعروف أنه كلما زاد دخل الفرد زادت رفاهيته لكن الكاتب لا يرى أن ذلك صحيحاً بالضرورة، فمثلاً ينفق الشعب الامريكي ملايين الدولارات سنوياً على وسائل تساعد على تحسين النوم من أدوية منومة إلى حشايا للسرير وأجهزة لمنع وصول الضوضاء للحصول على نوم مريح بينما يستطيع العامل الفقير الحصول على ساعات نوم كافية بدون الحاجة الى أي من تلك الوسائل مما يعني أن زيادة الدخل لم تجلب المزيد من الرفاهية في هذه الحالة وبالتالي فالنظرية غير صحيحة تماماً. 
كما ناقش ضرر نمط المعيشة الأمريكي على الفرد من ناحية أنه يتم اقناعه بحاجته لشيء لم يفكر هو فيه أساساً ناهيك عن احتياجه الفعلي له. 

أحب أسلوب الكاتب السهل الممتنع كثيراً فهو يعبر عن نفسه بقمة السلاسة والوضوح وكثيراً ما وجدت لدي رغبة بالكتابة لتوضيح وجهة نظر معينة وترتيب أفكاري خلال قراءتي لهذا الكتاب بشكل خاص وعند قراءتي لجلال أمين بوجه عام. أسلوبه يغري حقاً ويفتح شهيتي للكتابة بل وحتى للنقاش لما فيه من وضوح الحجة والمنطقية والعرض المبسط والخالي من التكلف للأفكار. 
وجدتني أفكر كثيراً خلال قراءتي له بأني أعرف كثيرين ممن يتصرفون على نحو مماثل له، فهو يروي مثلاً قصة له مع أحد أصدقائه ويعلق على شخصية وطباع هذا الصديق بدقة متناهية ويشرح أسباب تصرفه على نحو معين بواقعية وموضوعية شديدتين. 
مما يلفت الانتباه أيضاً صدق الكاتب في آراءه وبعده عن المجاملة والتصنع حتى عندما يتحدث عن أخطاءه هو مما يدل على حس عالي بالتصالح مع الذات أحسده عليه فعلاً. 

كان تقييمي له في goodreads ٤/٥ وذلك لأنني وددت لو أطال الشرح في بعض المواضع وتعمق فيها أكثر. وأخيراً، أنصح الجميع بقراءته حيث أنني متيقنة أن هذا النوع من الكتب يتناسب مع أذواق كثيرين من الناس.

الأحد، 26 يونيو 2016

ألوان غيرت حياتي




كانت الفكرة تراودنا منذ وقت طويل لكن الفرصة لم تسنح لنا حتى هذا الصيف، قررنا أنا وصديقتي منيرة أن ننظم مخيما صيفيا للأطفال في منزلنا. وبعد المشاورات والمباحثات اخترنا أن نطلق عليه اسم "Colors" أو ألوان وقد كان له من اسمه نصيب.

بدأنا التحضير له خلال مدة تقارب العشرة أيام لكن الفكرة مطروحة منذ أكثر من ذلك بكثير. بدأ اهتمامنا بالأطفال منذ أيام المرحلة المتوسطة، فقد كنا نشترك في الكثير من النشاطات التطوعية المتعلقة بالأطفال في المدرسة مما أكسبنا بعض الخبرة في طرق ترفيه الأطفال والتعامل معهم واستمر ذلك حتى تخرجنا من المرحلة الثانوية.  

بالإضافة إلى ذلك، أنا الكبرى في عائلتي المكونة من ستة اخوة واخوات وقد ساهمت بشكل كبير في تربية و "ترفيه" اثنين منهم. كما أنني توليت مسؤولية الاعتناء بأطفال العائلة والأقارب لشدة استمتاعي بقضاء الوقت معهم، وقد اعتدت تنسيق جداول ترفيهية لهم خلال العطلات وابتكار وسائل الترفيه من خلال المصادر المحدودة المتوفرة لدي.

قبل الشروع في فكرة المخيم الصيفي كانت تراودني مخاوف شديدة تمنعني من التنفيذ. فقد كنت أخشى أن يعيقنا عدم التخصص فيما يتعلق بالأنشطة المناسبة للفئات العمرية المختلفة وتفهم نفسيات الأطفال وغرس الصفات الحميدة فيهم، وذلك يعود لتخصصاتنا الجامعية فأنا خريجة قانون ومنيرة خريجة هندسة وكلا التخصصين بعيد أشد البعد عن علم النفس أو رياض الأطفال. كما كان هناك تخوف من تحمل مسؤولية الأطفال وحمايتهم من المخاطر وتوفير بيئة آمنة لهم، بالإضافة إلى التعامل المباشر مع أمهات الأطفال والإجابة على استفساراتهم المنطقية والمبررة بالتأكيد. وبعد البدء في التنفيذ وخلال فترة تسجيل الأطفال واجهنا العديد من المصاعب وبالأخص استفسارات الأمهات التي كانت في بعض الأحيان بعيدة عن الذوق والاحترام. فقد استفسرت إحدى الأمهات إن كانت بيئة مخيمنا خالية من التحرش ولكم أن تتخيلوا بقية المحادثة. كانت هذه الفترة هي الأصعب بلا شك وكنت أفكر جديا بالتخلي عن الفكرة والمشروع لعدم ثقتي من النجاح فيه لولا تشجيع منيرة الدائم لي وثقتها اللامحدودة فيني. ولعل منيرة أكبر عامل لنجاحي في هذا المشروع حيث أن وجودها فقط يجلب لي الاطمئنان والسكينة ولا أظن أن هناك من أثق فيه وأئتمنه أكثر منها، هذا بدون الحديث عن أفكارها الخلاقة و مقدرتها الفائقة على التخطيط والتنسيق في أصعب الأوضاع. 

تلاشت كل المخاوف بعد أن التقيت بأول طفل وأدركت الدافع الحقيقي لهذا المشروع. فقد جاء للتسجيل برفقة والدته وجلست أتحدث معه ولعبنا قليلا ولم يرغب بالخروج بعد انتهاء والدته من اجراءات التسجيل. (كما أنه كان طفلي المفضل) شعرت حينها بأن الهدف وراء كل هذا المجهود هو إسعاد الأطفال وبث البهجة في قلوبهم  وقد تحقق في ذلك في مدة بسيطة جدا ولم يتطلب الأمر سوى النزول لمستوى اهتمامات الطفل واشعاره بأهميته وتميزه فقط.

في الأيام الأولى لم يكن الوضع يسير كما كان مخططا له، لكننا أدركنا الأخطاء وحاولنا تفاديها قدر المستطاع وكنا نقيم أداؤنا يوميا ونقارنه بالأيام السابقة وكان الوضع في تحسن مستمر. فمن المشاكل التي حدثت على سبيل المثال، سوء التنسيق بيننا وبين المتطوعات المسؤولات عن كل مجموعة من الأطفال وقد سبب ذلك احباطا لدى المتطوعات مما حد من رغبتهم في العطاء، لكننا مع الوقت حاولنا معرفة نقاط القوة لدى كل منهم ومنحها المساحة الكافية للإبداع. لكن أسوأ المواقف التي حدثت وأكثرها رعبا على الإطلاق كان محاولة أحد الأطفال بالهروب بعد أن خسر في إحدى الألعاب ولحاقي به حتى باب الشارع. وبعد هذه الحادثة كرسنا كافة الجهود لحراسة الأبواب وإحكام إغلاقها بالإضافة إلى الحد من المنافسة بين الأطفال وإن كانوا هم من يشعلها في الأساس.

أما بالنسبة للأهم من هذا كله، فالدروس المستفادة من خلال هذه التجربة تكاد لا تحصى ولا أبالغ إن قلت أن ما تعلمته في هذا الشهر أكبر بكثير مما تعلمت من جميع النشاطات والأعمال التي قمت بها خلال السنوات الماضية. لم يمر يوم دون أن أتعلم فيه شيء جديد، فبالإضافة إلى قوة التحمل والصبر وطول البال تعلمت أن كل هموم الدنيا تتلاشى بقرب الأطفال. وأن لا طاقة إيجابية تعادل الطاقة المكتسبة من الحديث مع الأطفال لمدة ربع ساعة. وقد عرفت قيمة كلمات التقدير والتشجيع وقدرتها السحرية في التأثير على الآخرين فكلمات الأمهات عن سعادة أطفالهم في المخيم الصيفي لا تقدر بثمن، وكنت أترقب حضور الأمهات في نهاية اليوم  حتى أرى نظرة الفرح الممتزجة بالفخر عند رؤيتهم لأطفالهم. وقد تعلمت من الأطفال قيمة الأمل والتفاؤل والفضول. فالطفولة أغنى مراحل الحياة وأصدقها وخلالها يكون الإنسان منفتحا للحياة وباحثا شغوفا عن المعرفة والجمال، وفيها تكون البساطة وحب الحياة والضحك من أعماق القلب على أتفه الأسباب وأصغرها. ولعل أثمن ما تعلمت هو ألا أدع المجال للطفلة التي بداخلي أن تكبر وأن أظل طفلة مدى الحياة لأن هذا هو سر السعادة الحقيقية.
أتمنى أن أكون قد لمست حياة هؤلاء الأطفال بنصف القدر الذي غيروا نظرتي للحياة فيه. وأتمنى لجميع البشر اقتباس بعض من بهجة الأطفال ونقاء قلوبهم لنعيش في سلام وحب وصفاء.  


  

الجمعة، 12 فبراير 2016

زمن الخيول البيضاء




اخترت أن أبدأ التدوين بالحديث عن إحدى رواياتي المفضلة على الإطلاق!

زمن الخيول البيضاء هي جزء من سلسلة الملهاة الفلسطينية لابراهيم نصرالله والتي تتحدث عن فلسطين منذ نهاية الاحتلال العثماني مروراً بالاحتلال البريطاني وحتى قرار تقسيم فلسطين وانتهاءاً بحرب ال٤٨. 
هي رواية عظيمة جعلتني أحن إلى ماضي لم أعرفه يوماً، وزادت كرهي للواقع الذليل الذي يعيش فيه العرب اليوم. وجدت إجابات لأسئلة كثيرة كانت تجول بذهني حول القضية الفلسطينية. آلمني جداً بحث الناس عن مصالحهم غير عابئين بمستقبل الأرض والشعب مما يجعلهم حتى الآن يستمرون في خيانة هذه القضية العادلة. دقة المعلومات رهيبة للحد الذي يجعلني أشك أن الكاتب عاش تلك الفترات، واتضح آن هذه قصة قرية الكاتب فعلا وأنه استقى المعلومات من والديه وأجداده.
عشقت الهادية وحياة الناس بها وتمنيت من قلبي لو كنت إحدى الشخصيات التي عاشت فيها. سحرني الحاج خالد بشهامته وشجاعته التي لم تبدو مزيفة ولا مبالغاً فيها. أسرني تقديس الخيول ومعاملتها كالمرأة التي كانت كريمة جداً في ذلك العصر. وقد يرى البعض مثالية الراوية لكن تقديم الناس كرامتهم على الحياة لم يبدو متكلفاً ولا خيالياً بالنسبة لي بل هي طبيعة البشر الأحرار الذين أصبحوا نادرين في هذا الزمن لذا قد يصعب على البعض استيعابها.
تنقسم الراوية لثلاث "كتب" أو أجزاء مختلفة عن ثلاثة أجيال لعائلة واحدة. كتاب الريح كان الأقرب إلى قلبي بينما حبس كتاب التراب أنفاسي، أما كتاب البشر فكنت أتمنى ألا ينتهي أبداً. أشعر بالحزن الشديد لانتهائي من هذه الرواية التي أجزم أنها أجمل رواية قرأتها حتى الآن وما يهوّن الأمر هو تطلعي لقراءة أجزاء الملهاة الأخرى. 
هي رواية تحبس الأنفاس ولا يسعك أمام روعتها إلا أن تنقض عليها وتلتهمها فيما لا يزيد عن ثلاثة أيام! 



اقتباسات من الرواية: 

"أرسلوا لنا جيوشاً صنعها الإنجليز ويقودها الإنجليز لتقاتل الإنجليز واليهود الذين يحميهم الإنجليز، كيف صدّقنا؟؟"


"أنا أخاف شيئاً واحداً أن ننكسر إلى الأبد، لأن الذي ينكسر إلى الأبد لا يمكن أن ينهض ثانية، قل لهم احرصوا على ألا تهزموا إلى الأبد."


" لم يخلق الله وحشاً أسوأ من الإنسان، ولم يخلق الإنسان وحشاً أسوأ من الحرب."